بسم الله الرحمن الرحيم
محمد بن ابي بكر الصديق
(11هــ - 38هــ)
ولد سيدنا محمد بن أبي بكر في زمن حياة النبي "ص" في حجة الوداع تحت الشجرة عند حرم الكعبة الشريف ...
و امه هي السيدة أسماء بنت عميس أو "أم معبد بنت الحارث" الخثعمية رضي الله عنها ،زوجة سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه .. الذي تزوجها بعد مقتل زوجها الاول "جعفر بن أبي طالب" ... و قد انجبت من أبي بكر : محمد ابن ابي بكر "الذي نتحدث عنه الآن"
و قد انجبت من جعفر قبل استشهاده ثلاث ابناء : عبد الله و محمد و عون
و لما احتضر سيدنا ابو بكر الصديق وقت وفاته ..أوصاها ان تغسله فغسلته ..
ثم لما توفى سيدنا ابو بكر تزوجها بعده سيدنا علي بن ابي طالب فأنجبت له : يحيى و عون
فتربى و نشأ محمد بن أبي بكر في حجر علي بن ابي طالب و هو صغير
"هذه نبذة صغيرة عن حياة امه السيدة أسماء بنت عميس رضي الله عنها"
.....................
كانت مصر في عهد سيدنا عثمان محكومة بخلافة سيدنا الصحابي عبد الله بن سعد بن أبي السرح رضي الله عنه ...بعدما خلع عنها عمرو بن العاص الذي حكمها في ايام عمر
لكن ابن ابي السرح أُخرج من مصر أثناء حصار عثمان في الدار و قتله .. فتوجه الى الشام ليبلغ معاوية بما حصل ... فقيل : إن ابن أبي السرح ظل في الشام الى وفاته و دفنه .. و قيل انه دخل ليبيا مباشرة بعد خروجه من مصر و توفي بها و دفن في برقة و ذلك ارجح
ثم دخل عهد سيدنا علي بن ابي طالب .. فولى على مصر بعد مقتل عثمان ، سيدنا الصحابي قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنه ..فخطب في الناس خطبة انه الوالي الجديد عليهم و دعاهم لبيعة علي بن أبي طالب
فأستقامت له طاعة كل بلاد مصر ،إلا قرية تسمى "خربتا" كان اهلها من انصار معاوية و عمرو و عثمان ... و قد ظل اهل خربتا على ثباتهم بنصرة معاوية و جيشه إلى زمن ابن ابي بكر و رفضوا الإستسلام لبيعة علي إلى ان نصر الله عمرو و جنده لما دخل مصر بعد ذلك كما سيأتي لاحقا و حكم عمرو مصر
و كتب الإمام علي "لما علم ذلك" إلى قيس بن سعد بن عبادة أن يغزو أهل خربتا الذين تخلفوا عن بيعة علي
فبعث قيس الي على : يعتذر له بأنهم اعداد كثيرة و هم وجوه الناس ..فكتب الى علي : ان كنت انما امرتني بهذا لتختبرني لانك اتمتني ..فأبعث على عملك بمصر غيري .. ثم توجه قيس إلى المدينة المنورة و سار منها هو و سهل بن حنيف إلى الإمام علي في العراق فأعتذر قيس لعلي فعذره علي ... و شهدا مع الإمام علي معركة صفين بعد ذلك
و جاء في كتاب نهج البلاغة ،رسالة رقم279 :
لما ولّـى على أهل مصر مالك الأشتر بعد قيس بن سعد بن عبادة :
((من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى القوم الذين غضبوا لله حين عُـصِــي في أرضه و ذُهِــبَ بحقه .....
أما بعد :
فقد بعثت اليكم "يا اهل مصر" عبدا من عباد الله "و هو الاشتر" لا ينام ايام الخوف و لا ينكل عن الاعداء ساعات الروع .. أشـد على الفجار من حريق النار و هو مالك بن الحارث الاشتر ..فأسمعوا له و اطيعوا امره في ما طابق الحق ،فانه سيف من سيوف الله "لا يهاب السيوف و لا يتأثر بشئ" فإن امركم ان تنفروا "الى قتال عدوكم" فانفروا ،و ان امركم ان تقيموا فاقيموا ،فانه لا يقدم و لا يحجم و لا يؤخر و لا يقدم الا عن امري "و معناها: فـــإن الاشتر لا يتحرك الا بأمري ليس بالخائن و لا المخالف فلا تشككوا فيه فإني اخترته لكم من خيرة رجالي" ،و قد آثرتكم به على نفسي لنصيحته لكم و شدة شكيمته على عدوكم )) .
قال الإمام محمد عبده عن شرح هذه العبارة الاخيرة : _أي خصصتكم به ،و أنا في حاجة إليه تقديما لنفعكم على نفعي . و الشكيمة في اللجام : الحديدة المعترضة في فم الفرس التي فيها الفأس ،و يُـعـبّـر بشدتها عن قوة النفس و شدة البأس - .
فبعث الامام علي على إمرة مصر بدلا من قيس بن يعد بن عبادة ..مالك بن الحارث الاشتر النخعي ...فسار إلى مصر الأشتر ..فلما وصل للقلزم استقبله الخانسار و هو مقدم على الخراج فقدم اليه طعاما و سقاه شربة من عسل مسموم فكان موته بسببها ... فلما علم معاوية و عمرو ذلك قالا : إن لله جنودا من عسل ! .... و دفن الأشتر في حي المرج "حاليا" جنوب غرب القاهرة و يُعرف مرقده بمرقد "سيدي العجمي" و لا يزوره الكثيرون
و قيل ان الذي تولى الحكم بعد قيس بن سعد بن عبادة ..هو محمد بن ابي بكر الصديق ... و من ثم بعده مالك الأشتر و ليس العكس ...و الله أعلم
و مما يؤيد ان ابن ابي بكر كان بعد قيس و ليس الأشتر .. ان قيس اوصى ابن ابي بكر قبل رحيله من مصر بأن يعمل على كسب أهل خربتا إلى صفه وأن يكايد بهم معاوية وابن العاص
و قول الواقدي : و لما قتل محمد بن ابي بكر بعث علي الاشتر النخعي الى مصر فمات في الطريق..
و كان الأشتر رجل ذو حزم و شجاعة فذة .... فبعد انتهاء حكم ابن ابي بكر على مصر ... سار الأشتر إلى مصر من أمر الإمام علي ليحكمها ... فلما علم معاوية ذلك عظم ذلك الامر في راسه و أدرك انه ربما يُهزم أمام الأشتر لما يسلب مصر من يديه ... فتقدم معاويى إلى الخانسار و امره بان يحتال على الاشتر ليقتله و وعده على ذلك بأمور ففعل ذلك ... و إنما استجاز معاوية قتل الأشتر لأنه من مَن ساعدوا على قتل عثمان ..و ايضا لكي لا يسلب منه مصر مرة اخرى
فلما علم الامام علي موت الأشتر ..بعث محمد بن ابي بكر الصديق على إمرة مصر ...
و قد جاء في كتاب نهج البلاغة للشريف الرضي رحمه الله تعالى عن كلام الإمام علي رضي الله عنه :
لما ولى الإمام علي "محمد بن أبي بكر" على مصر ....بعث إليه برسالة طويلة "رقم268" ،و مُـلـخّـصهـا :
أنه يدعوه إلى الأستوصاء بأهل مصر خيرا ، و المحافظة على الصلوات و التذكير بالموت و الحكم و المواعظ الشتى
إلخ ...و أمره أن يحافظ على رعيته و أن ينشر العدل بينهم و المواساة .... و من نص الرسالة :
يقول الإمام علي كرم الله وجهه لمحمد بن أبي بكر والي مصر يوصيه بأهل مصر :
(( فـأخفض لهم جناحك و الن لهم جانبك و ابسط لهم وجهك و اس بينهم في اللحظة و النظرة....إلى ان قال : و أعلم يا محمد بن أبي بكر اني قد وليتك اعظم اجنادي في نفسي ،أهل مصر فأنت محقوق أن تخالف على نفسك "أي مطالب بحق بمخالفتك شهوة نفسك" ،و أن تنافح عن دينك "اي تدافع عن دينك" و لو لم يكن لك إلا ساعة من الدهر ،و لا تسخط الله برضى احد من خلقه فان في الله خلفا من غيره و ليس من الله خَــلَــفٌ في غيره "أي إذا فقدت مخلوقا ففي فضل الله عوض عنه ،و ليس في خلق الله عوض عن الله" )) .
وفاته :
قال ابن كثير كلاما في كتاب البداية و النهاية الجزء 7 ،في صفحات عدة 200-202 ، 249-252 "ملخصها" :
((فلم يزل محمد بن ابي بكر بمصر قائم الامر مهيبا بالديار المصرية حتى كانت وقعة صفين ،و بلغ اهل مصر خبر معاوية و من معه من اهل الشام على قتل اهل العراق و صاروا الى التحكيم ..فطمع اهل خربتا بمصر في محمد بن ابي بكر و اجترؤوا و بارزوه بالعداوة ....فقد استفحل امرهم حين انصرف علي من صفين و حين كان امر التحكيم ما كان "لأن ابن ابي بكر من انصار الإمام علي و اهل خربتا من انصار معاوية و جنده الذين هزموا جيش علي في صفين" ... و قوى أمر أهل الشام جدا ... فجمع معاوية أمرائه ... فقال لهم بأنه يريد ان يسير للديار المصرية فاستجابوا له و قالوا سر حيث شئت فنحن معك .. فعين نيابة مصر لعمرو بن العاص مرة اخرى بعدما خرج منها سابقا ففرح عمرو بذلك
فجهز معاوية عمرو في 6000الاف رجل ... و اوصاه بدعوة الناس الى الصلح و الجماعة و تقوى الله و الرفق و المهل و التؤدة و ان يقاتل من قاتله و يعفو عمن ادبر ..
فدخل عمرو مصر بجيشه و ابلغوا اهل خربتا بقدومهم ..و كان اهل خربتا عددهم 10،000 و منهم : الصحابيين مسلمة بن مخلد الأنصاري و معاوية بن خديج السكوني فأستبشروا و فرحوا بأن نصر الله قريب
ثم كتب عمرو بن العاص إلى محمد بن ابي بكر والي مصر بأن :
"تنحى فإني لا احب ان يصيبك مني ظفر و اذى فان الناس قد اجتمعوا بمصر على خلافك و رفض امرك ،و ندموا على اتباعك ..فأخرج منها فاني لك لمن الناصحين و السلام"
و بعد ذلك بعث محمد بن ابي بكر إلى علي و اعلمه بقدوم عمرو لمصر في جيش من قبل معاوية بن ابي سفيان "فإن كانت لك بارض مصر حاجة فابعث الى باموال و رجال و السلام"
فلما قرأ علي كلام ابن ابي بكر ... كتب إليه : يأمره بالصبر و بالمجاهدة و انه سيبعث اليه الرجال و الاموال و يمده بما امكنه من الجيوش
ثم كتب ابن ابي بكر لمعاوية و عمرو كتابين فيهما غلظة في القول و رفض تسليم
ثم خطب ابن ابي بكر في الناس فحثهم على الجهاد و مناجزة من قصدهم من اهل الشام
فلما دخل عمرو مصر كما ذكرنا .. كان جيشه 6000 آلآف مقاتل شامي .. و كان بمصر من انصار عمرو و معاوية 10،000 نفر مصري و هم اهل خربتا كما ذكرنا .. فكان جيش عمرو بذلك 16،000 مقاتل ... و كان في مواجهته ابن ابي بكر الصديق و جيشه 2000 نفر فقط من مصريين و الذين بعثهم علي لابن ابي بكر من العراق
و كان على رأس جيش ابن ابي بكر "كنانة بن بشر" الذي كلما تلقاه رجل من الشاميين هُزم امامه)) و صحيح ان جيش ابن ابي بكر كان قويا باسلا إلا انه لم يمتلك الوسائل الكافية لكي ينتصر على جيش عمرو و معاوية ... رحمهم الله جميعا و رضي عنهم
وسوف أضيف هذه الفتوى التي تفيد أكثر في هذا الموضوع
السؤال :
من قتل محمد بن أبي بكر رضي الله عنهما ,هل مثل ما قال لي أستاذي في الدين أنه معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وابنه يزيد حيث قتلاه حرقا مع علمي أن معاوية رضي الله عنه من صحابة الرسول الكرام, حيث لم يكن لي علم بمن قتل محمد بن أبي بكر رضي الله عنهما,
وجزاكم الله خيرا .
الفتوى:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد كان محمد بن أبي بكر الصديق، من رجال علي رضي الله عنهم وأمرائه.. فسيره إلى إمرة مصر في رمضان سنة 37هــ ، فالتقى بعسكر معاوية و عمرو ... :
1 _ وكان علي رأس عسكر معاوية معاوية بن حديج السكوني الكندي فقاتلهم محمد بمن معه حتى قتل.
2_ وتقول بعض الروايات أن محمد بن أبي بكر اختفى في بيت مصرية فأخذه معاوية بن حديج فقتله .
3_ وقيل دسه في بطن حمار ميت وأحرقه عليه.
4_ وقيل أرسله إلى عمرو بن العاص أمير مصر من قبل معاوية فقتله.
ذكر هذه الروايات الذهبي في السير. كما ذكرت في غيره من كتب الأخيار والتاريخ ولم نقف فيها على ذكر ليزيد بن معاوية.
و للتفصيل ...
سأذكر ما ذكره ابن كثير عن قتال الجيشين :
((و كان على مقدم جيش ابن ابي بكر "كنانة بن بشر" فجعل لا يلقاه احد من الشاميين إلا قاتلهم حتى يلحقهم مغلوبين إلى عمرو بن العاص ،فبعث عمرو بن العاص عند إذ معاوية بن حديج فجاءه من ورائه و اقبل اليه الشاميون حتى احاطوا به من كل جانب ،فترجل عند ذلك كنانة و هو يتلو "و ما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا" آل عمران145 ...
ثم قاتل حتى قتل و تفرق اصحاب محمد بن ابي بكر الصديق عنه و رجع يمشي فرأى خربة فآوى إليها و دخل عمرو بن العاص فسطاط مصر و ذهب معاوية بن حديج في طلب ابن ابي بكر فمر بعلوج من الناس في الطريق فقال لهم : هل مر بكم أحد تستنكرونه ؟
قالوا : لا
فقال رجل منهم : إني رأيت رجلا جالسا في هذه الخربة ،فقال :
هو هو و رب الكعبة
فدخلوا عليه و استخرجوه منها و كاد يموت عطشا
فأنطلق اخوه عبد الرحمن بن ابي بكر الى عمرو بن العاص و كان قد قام معه الى مصر فقال :
ايقتل اخي صبرا ؟
فبعث عمرو بن العاص الى معاوية بن حديج ان ياتيه بمحمد بن ابي بكر و لا يقتله
فقال ابن حديج : كلا والله ،ايقتلون كنانة بن بشر و اترك محمد بن ابي بكر و قد كان ممن قتل عثمان و قد سالهم عثمان الماء !! و قد سالهم محمد بن ابي بكر ان يسقوه شربة من الماء فقال معاوية : لا سقاني الله ان سقيتك قطرة من الماء ابدا ،انكممنعتم عثمان ان يشرب الماء حتى قتلتموه صائما محرما فتلقاه الله بالرحيق المختوم .
..إلى ان قال ابن كثير :
و ذكر الواقدي ان عمرو بن العاص قدم مصر في 4،000 فيهم ابو الاعور السلمي فالتقوا مع المصريين بالمسناة فاقتتلوا قتالا شديدا حتى قتل كنانة بن بشر بن عتاب التجيبي ،فهرب عند ذلك محمد بن ابي بكر فاخبا عند رجل يقال له جبلة بن مسروق فدل عليه فجاء معاوية بن حديج و اصحابه فاحاطوا به فخرج اليهم ابن ابي بكر فقاتل حتى قتل ..قال الواقدي : و كان ذلك في صفر من سنة38هــ))
و كتب عمرو بن العاص الى معاوية بن ابي سفيان يخبره بما كان من الامر و ان الله قد فتح عليه بلاد مصر و رجعوا الى السمع و الطاعة و اجتماع الجماعة و بما عهد لهم من الامر
و كما قلنا ففي النهاية هُزم جيش ابن ابي بكر الصديق و قاتل كنانة بن بشر و محمد بن أبي بكر الصديق و من معهم من جيشهم أشد القتال إلى أن قُتلوا و دفنوا بمصر ... و كان ذلك سنة 38هـــ و كان محمد بن ابي بكر الصديق حين قُـتل شاب فكان عمره أقل من ثلاثين سنة "27 سنة تقريبا"
...و قطعت رأس محمد بن أبي بكر الصديق و دفنت قرب مسجد عمرو بن العاص في الفسطاط بمصر القديمة في القاهرة الذي سنذكر خبره الآن من كتاب "اولياء الله الصالحون في مصر" لسعاد ماهر ... و اما جسده فيُختلف في موضعه فقيل بالدقهلية و قيل بالقاهرة قرب مسجد الحسين و الجامع الأزهر .. و الله اعلم
و ظل عمرو على خلافة مصر من 38هـــ إلى ان توفاه الله و دفن بمصر سنة 43هـــ .
.............................
و أما الخبر في انه صحابي ام تابعي
فأنا ارجح ان محمد بن ابي بكر الصديق تابعي
و السبب هو ان الآراء قسمين في ذلك :
منهم من رأى ان الصحابي يشترط وجوده في زمن النبي و هو مسلم و ليس شرطان ان يراه
و منهم من جمع هذه الشروط الثلاث و الزمها ليكون الرجل صحابيا
و انا مع الرأى الثاني ...
فإذا : يجب و يُشترط ليكون الرجل صحابيا :
1- ان يُسلم
2- أن يكون موجود في زمن النبي
3- أن يأتي للنبي و يحادثه و لو مرة واحدة .. حتى و ان رآها مرة واحدة في حياته
فيجب ان تكون هذه الشروط مجتمعة مع بعض ليحصل الصحابية ... و إن لم تتوفر واحدة منهن عن الباقيات فلا صحابية
فمحمد بن ابي بكر الصديق كان في (أواخر عهد النبي)
و ولد على الإسلام في حياة النبي
لكنه لم يرى النبي و لو مرة واحدة مثل الحسن و الحسين كدة
مكان دفنه و قبره :
اوردت ا. سعاد ماهر في كتابها "مصر و اولياءها الصالحون" عن مقام رأس محمد بن أبي بكر الصديق :
((وقد دُفن رأس محمد بن أبي بكر في المكان المعروف اليوم بـ (جامع محمد الصغير) بشارع الوداع بمصر القديمة، تزوره العامة وتقرأ الفاتحة.
وقد جاء في وصف الجامع وصفاً دقيقاً في كتاب مساجد مصر للدكتورة سعاد ماهر، طُبع سنة 1393 هـ ، وإليك نصّ كلامها بطوله: يقع هذا المسجد في مصر القديمة، بشارع باب الودائع، قريباً من الباب عن يسرة السالك نحو الشرق إلى باب الوداع، وبجوار قبر منهدم يعرف بالكردي، ويعرف الجامع باسم (محمد الصغير) كما كان يعرف باسم (زمام)، وذلك أنّه بعد مضيّ مدّة من قتله أتى زمام مولى محمد بن أبي بكر إلى الموضع الذي دُفن فيه، وحفر، فلم يجد سوى الرأس، فأخذه ومضى به إلى المسجد المعروف اليوم بمسجد زمام، فدفنه فيه وبنى عليه المسجد. ويقال إنّ الرأس مدفون في القبلة، وبه سمِّي مسجد زمام.
وقيل: لمّا شقّ بعضٌ أساس الدار التي كانت لمحمد بن أبي بكر وجد رمّة رأس قد ذهب فكّه الأسفل، فشاع في الناس أنّه رأس محمد بن أبي بكر، وتنادر الناس، ونزلوا الجدار وموضعه قبلة المسجد القديم، كما حفر محراب مسجد زمام، وطلب الرأس منه فلم يُوجد، وحفرت أيضاً الزاوية الشرقية من هذا المسجد والمحراب القديم المجاور له، والزاوية الغربية، فلم يجدوا شيئاً، على أنّه مهما قيل في وجود رأس محمد بن أبي بكر في المحراب أو في جدار بيته، فإنّه من الثابت أنّ مشهده موجود في مكان المسجد المعروف باسمه بمصر القديمة الآن، فقد جاء في الكواكب السيارة:أنّ أكثر قبور أهل مصر فيها الاختلاف، ولم يكن بمصر أصحّ من قبر مسلمة بن مخلد، ومشهد محمد بن أبي بكر الصدّيق، ومشهد زين العابدين، ومشهد عفّان، كذلك الأسعد النسّابة في تاريخه (مشاهد الرؤوس)، وذكر من بينها مشهد رأس محمد بن أبي بكر.
وقد أُعيد بناء المسجد في القرن التاسع الهجري سنة 830 هـ (1426م) في عهد السلطان الأشرف برسباي، على يدي المعزّ تاج الدين الشوكلي الشامي والي القاهرة، وأُقيمت فيه صلاة الجمعة وباقي الأوقات، وعمل فيه السماعات، وهو مكان مشهور بإجابة الدعاء عند أهل مصر. ثم جدِّد في العصر العثماني سنة 1287 هـ على يدي سعادة محمد باشا أمير، كما هو ثابت من اللوحة التي تعلو المدخل الرئيسي.
ويعتبر المسجد من الجوامع المعلَّقة، إذ يصعد إليه بمجموعة من الدرجات، ويقع المدخل الرئيسي في الجهة الشمالية المواجهة لحائط القبلة، ويتكوّن من عقد كبير مرتفع ذي ثلاثة فصوص، مليء تجويفه بمجموعة من الدلايات المنحوتة في الحجر، والمسجد من الداخل مغطّىً كلّه، وفي الركن الشمالي الغربي منه توجد غرفة الضريح التي ترجع عمارتها إلى العصر المملوكي، وهي عبارة عن مربّع تحيط به أربعة عقود، وكانت تعلوها قبّة سقطت هي والجزء العلوي من المئذنة إثر زلزال أطاح بها. والسقف مغطّىً الآن بألواح خشبية، وتعلو المئذنة مدخل المسجد، وتتكوّن
من ثلاث دورات: الأُولى مربّعة، والثانية مثمّنة، وبكلّ وجهة من أوجه المثمّن تجويف مخلّق، في جانبيه عمودان، وبه فتحة واحدة يتقدّمها شرفة للمؤذّن، ويفصل بين الدورة الثانية والثالثة شرفة خشبية. أمّا الدورة الثالثة فهي مجدّدة، وترجع إلى العصر العثماني، وهي تشبه المسلّة أو طرف قلم الرصاص، انتهى.))
و اما عن جسد محمد بن أبي بكر الصديق فأقول :
في الدقهلية :
يقع مسجد و ضريح سيدي محمد بن أبي بكر الصديق في قرية ميت دمسيس - مركز أجا التابعة للمنصورة بمحافظة الدقهلية ...حيث تعانق مئذنة المسجد مع برج كنيسة مارجرجس في تآخى وتحاب .....وقد اكتشف قبر محمد بن أبي بكر الصديق عام 1950 وهو يزار ويقام له مولد كل عام .
و في القاهرة :
يقال دفن جسده قرب جامع الإمام الحسين و الأزهر بالقاهرة ... و ليس لي علم بأكثر من ذلك و الله أعلم